فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {إِذْ قَالَ}:
العاملُ في {إذ} {نَبَأَ} أو اتْلُ. قاله الحوفي. وهذا لا يتأتى إلاَّ على كونِ إذ مفعولًا به. وقيل: {إذ} بدلٌ مِنْ {نَبَأ} بدلُ اشتمالٍ. وهو يَئولُ إلى أنَّ العاملَ فيه اتْلُ بالتأويلَ المذكورِ.
قوله: {وَقَوْمِهِ} الهاءُ تعودُ على {إبراهيم} لأنَّه المُحَدَّثُ عنه. وقيل: تعودُ على أبيه، لأنَّه أقربُ مذكورٍ، أي: قال لأبيه وقومِ أبيه، ويؤيِّده {إني أَرَاكَ وَقَوْمَكَ} [الأنعام: 74]، حيث أضافَ القومَ إليه.
{قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71)}.
قوله: {نَعْبُدُ أَصْنَامًا}: أَتَوْا في الجوابِ بالتصريحِ بالفعل ليَعْطِفُوا عليه قولَهم {فَنَظَلُّ} افتخارًا بذلك وابتهاجًا به، وإلاَّ فكان قولُهم {أصنامًا} كافيًا، كقوله تعالى: {قُلِ العفو} [البقرة: 219] {قَالُواْ خَيْرًا} [النحل: 30].
{قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72)}.
قوله: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ}: لابد مِنْ محذوفٍ أي: يسمعون دعاءَكم، أو يَسْمَعُوْنكم تَدْعُون. فعلى التقديرِ الأولِ: هي متعديةٌ لواحدٍ اتفاقًا، وعلى الثاني: هي متعديةٌ لاثنين، قامَتِ الجملةُ المقدرَّةُ مَقام الثاني. وهو قولُ الفارِسيِّ. وعند غيرِه الجملةُ المقدَّرَةُ حالٌ. وقد تقدَّمَ تحقيقُ القولَيْن. وقرأ قتادة ويحيى بن يعمر بضمِّ الياءِ وكسرِ الميمِ، والمفعولُ الثاني محذوفٌ. أي: يُسْمِعُونَكم الجوابَ.
قوله: {إِذْ تَدْعُونَ} منصوبٌ بما قبلَه، فما قبله وما بعده ماضيان معنىً، وإنْ كانا مستقبلَيْنِ لفظًا، لعملِ الأولِ في {إذ} ولعَمَلِ {إذ} في الثاني. وقال بعضُهم: {إذ} هنا بمعنى إذا. وقال الزمخشري: إنه على حكاية الحالِ الماضيةِ، ومعناه: اسْتَحْضِروا الأحوالَ الماضيةَ التي كنتم تدَّعُونها فيها، وقولوا: هل سَمِعُكم أو أَسْمَعُوا، وهو أبلغ في التَّبْكِيْتِ. وقد تقدَّم أنه قرئ بإدغامِ ذال إذا وإظهارِها في التاء. وقال ابنُ عطيةَ: ويجوز فيه قياسُ {مُدَّكِر} ونحوِه. ولم يَقْرَأْ به أحدٌ. والقياسُ أن يكون اللفظُ به {إدَّدْعون} والذي مَنَعَ من هذا اللفظِ اتصالُ الدالِ الأصلية في الفعل، فكَثُرَتْ المتماثلاتُ قلت: يَعْني فيكون اللفظُ بدالٍ مشددةٍ مهملةٍ ثم بدالٍ ساكنةٍ مهملةٍ أيضًا.
قال الشيخ: وهذا لا يَجُوز؛ لأنَّ هذا الإِبدالَ إنما هو في تاءِ الافتعالِ بعد الدالِ والذالِ والزايِ نحو: ادَّهَنَ وادَّكَرَ وازْدَجَر، وبعد جيمٍ شذوذًا نحو: اجْدمَعُوا في اجتمعوا، أو في تاء الضميرِ بعد الدالِ والزايِ نحو فُزْدُ في فُزْتُ وجَلَدَّ في جَلَدْتُ أو تاء تَوْلَج قالوا فيها: دَوْلج، وتاء المضارعة ليس شيئًا مِمَّا ذَكر. وقوله: والذي مَنَعَ. إلى آخره يَقْتضي جوازَه لو لم يُوْجَدْ ما ذُكِر، فعلى مقتضى قولِه يجوز أَنْ تقولَ في إذْ تَخْرج: ادَّخْرُج، ولا يقول ذلك أحدٌ، بل يقولون: اتَّخْرُج، فيُدغمون الذالَ في التاءِ.
{قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74)}.
قوله: {كَذَلِكَ}: منصوبٌ ب {يَفْعَلون} أي: يَفْعَلون مثلَ فِعْلِنَا. ويَفْعَلُون في محلِّ نصبٍ مفعولًا ثانيًا ل {وَجَدْنا}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء: 69- 71] وفي سورة الصافات: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات: 83- 87] يسأل عن زيادة اسم الإشارة في قوله: {مَاذَا تَعْبُدُونَ} وسقوطها في سورة الشعراء؟
والجواب عن ذلك أن قصص الرسل، عليهم السلام، مع أممهم لم تأت في القرآن العظيم على نهج واحد في الدعاء والجواب والمراجعة والمحاورة، ولا يمكن ذلك لاختلاف طباع الأمم وأغراضهم واختلاف الحالات، ولكل مقام مقال، فمرة ترد القصة على الدعاء وإبداء الحجة والتوبيخ من غير ذكر شيء من جواب المدعوين سوى الإخبار بتكذيبهم، ومرة يورد من مقالات الأمم لرسلهم اليسير، ومرة يمد إطناب الكلام في المحاورات بين الرسل والأمم.
فمن الضرب الأول قول إبراهيم، عليه السلام، في سورة الصافات: {مَاذَا تَعْبُدُونَ}. إلى آخر القصة، ولم يرد فيها كلمة واحدة من مراجعتهم له سوى الوارد من قولهم: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} [الصافات: 97] وليس هذا بمراجعة له ولا جوابًا على كلامه، عليه السلام.
ومن الضرب الثاني آية الشعراء فإنه ذكر فيها جوابهم بقوله تعالى مخبرًا عنهم: {قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} [الشعراء: 71] ثم لما سألهم، عليه السلام، تقريعًا لهم وتوبيخًا فقال: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} [الشعراء: 72- 73] جاوبوا بقولهم: {قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء: 74].
ومن الضرب الثالث قصة شعيب، عليه السلام، في سورة هود وأشباهها، وتأمل القصص الواردة في القرآن تجدها جارية على ما ذكرته، فلما كان في آية الصافات دعاء إبراهيم، عليه السلام، لهم مبينًا حالهم الشنيع وسيء مرتكبهم ممتد الإطناب فيما يقطع بهم من قوله: {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} [الصافات: 86] وقوله: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} [الصافات: 95] وعيوا بالجواب ولم يحك عنهم غير قولهم: {قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} [الصافات: 97] ناسب ذلك زيادة اسم الإشارة، ولما كانت آية الشعراء واردة على غير هذا النهج ناسب سقوط اسم الإشارة فقيل: {ما تعبدون} ولم يقل {ماذا} كما في آية الصافات، ومن المفهوم عن العرب أن المستفهم إذا قصد التقريع والتوبيخ أطال كلامه إدلاء بحجته وتعنيفًا لمن يخالفه، والمقهور أبدًا محصور.
وقوله: {ما تعبدون} جملة تقدم فيها المفعول وهو ما الاستفهامية، فهو في موضع نصب بالفعل بعدها، وقوله في الآية الأخرى: {ماذا} استفهام أيضًا ركبت فيه ما مع اسم الإشارة وجعلااسمًا واحدًا في موضع نصب بالفعل بعدها، ويمكن تركها على بابها من الاستفهام غير مركبة وتكون ذا اسمًا موصولًا في موضع رفع خبر للمبتدأ الذي هو ما، والجملة من قوله: {تعبدون} صلة، والجملة من المبتدأ والخبر محكية بعد القول، كأنه قال: أي شيء الذي تبعدونه، وحذف الضمير الرابط لأنه ضمير نصب منفصل، وليس في الصلة ضمير غيره، فحسن حذفه. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69)}.
عاتب إبراهيمُ أباه وقومَه، وطالَبَهُم بالحجة على ما عابَهم به وقال لِمَ تعبدون ما لا يَسْمَعُ ولا يُبْصِرُ؛ ولا ينفع ولا يَضُرُّ، ولا يُحِسُّ ولا يَشْعُر؟ فلم يرجعوا في الجواب إلا إلى تقليدهم أسلافَهم، وقالوا:
على هذه الجملة وَجَدْنا أسلافَنَا. فنطق إبراهيمُ- عليه السلام- بعد إقامة الحجة عليهم والإخبار عن قبيح صنيعهم بمَدْح مولاه والإغراق في وصفه، وقال: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77)}. اهـ.

.تفسير الآيات (77- 89):

قوله تعالى {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)}.

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{فإنهم} أي فتسبب عن رؤيتكم ووصفكم لهم بما ذكرتم أني أخبركم إخبارًا مؤكدًا أنهم.
ولما كانت صيغة فعول للمبالغة، أغنت في العدو والصديق عن صيغة الجمع ولاسيما وهي شبيهة بالمصادر كالقبول والصهيل، فقال مخبرًا عن ضمير الجمع: {عدو لي} أي أناصفهم بالسوء وأعاملهم في إبطالهم ومحقهم معاملة الأعداء وكل من عبدهم كما قال في الآية الأخرى {لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين} [الأنبياء: 54]، {أف لكم ولما تعبدون من دون الله} [الأنبياء: 57] و{تالله لأكيدن أصنامكم} [الأنبياء: 67].
ولما كانوا هم مشركين، وكان في آبائهم الأقدمين من عبد الله وحده.
قال: {إلا رب العالمين} أي مدبر هذه الأكوان كلها- كما قال موسى عليه السلام- لأن ذلك أشهر الأوصاف وأظهرها، فإنه ليس بعدوي، بل هو وليّي ومعبودي؛ ثم شرع يصفه بما هم به عالمون من أنه على الضد الأقصى من كل ما عليه أصنامهم فقال: {الذي} ولما لم يكن أحد يدعي الخلق لم يحتج إلى ما يدل على الاختصاص فقال: {خلقني} أي أوجدني على هيئة التقدير والتصوير {فهو} أي فتسبب عن تفرده بخلقي أنه هو لا غيره {يهدين} أي إلى الرشاد، ولأنه لا يعلم باطن المخلوق ويقدر على كمال التصرف فيه غير خالقه، ولا يكن خالقه إلا سمعيًا بصيرًا ضارًا نافعًا، له الكمال كله، ولا شك أن الخلق للجسد، والهداية للروح، وبالخلق والهداية يحصل جميع المنافع، والإنسان له قالب من عالم الخلق، وقالب من عالم الأمر، وتركيب القالب مقدم كما ظهر بهذه الآية، ولقوله.
{فإذا سويته ونفخت فيه من روحي} [الحجر: 29] وأمثال ذلك، وذكر الخلق بالماضي لأنه لا يتجدد في الدنيا، والهداية بالمضارع لتجددها وتكررها دينًا ودنيا {والذي هو} أي لا غيره {يطعمني ويسقين} ولو أراد لأعدم ما آكل وما أشرب أو أصابني بآفة لا أستطيع معها أكلًا ولا شربًا.
ولما كان المرض ضررًا، نزهه عن نسبته إليه أدبًا وإن كانت نسبة الكل إليه سبحانه معلومة، بقوله: {وإذا مرضت} باستيلاء بعض الأخلاط على بعض لما بينها من التنافر الطبيعي {فهو} أي وحده {يشفين} بسبب تعديل المزاج بتعديل الأخلاط وقسرها على الاجتماع والاعتدال، لا طبيب ولا غيره وإن تسببت أنا في أمراض نفسي ببرد أو حر أو طعام أتناوله أو غير ذلك لأنه قادر على ما يريد.
ولما كان الإنسان مطبوعًا على الاجتهاد في حفظ حياته وبقاء مهجته، نسب فعل الموت إليه إعظامًا للقدرة فقال: {والذي يميتني} أي حسًا وإن اجتهدت في دفع الموت، ومعنى وإن اجتهدت في دفع الجهل.
ولما كان الإحياء حسًا بالروح ومعنى بالهداية عظيمًا، أتى بأداة التراخي لذلك ولطول المكث في البرزخ فقال: {ثم يحيين} للمجازاة في الآخرة كما شفاني من المرض وإن وصلت إلى حد لا أرجى فيه، ولم يأت هنا بما يدل على الحصر لأنه لا مدعي للإحياء والإماتة إلا ما ذكره سبحانه عن نمرود في سورة البقرة، وأن إبراهيم عليه السلام أبهته ببيان عجزه في إظهار صورة من مكان من الأمكنة بلا شرط من روح ولا غيرها، وإذا عجز عن ذلك كان عجزه عن إيجاد صورة أبين، فكيف إذا انضم إلى ذلك إفادتها روحًا أو سلبها منها، فعدّ ادعاؤه لذلك- مع القاطع المحسوس الذي أبهته- عدمًا، والله أعلم.